موسى وهارون (2)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
موسى وهارون (2)
خروج موسى إلى أرض مدين واجتماعه بنبي الله شعيب:
خرج سيدنا موسى عليه السلام من أرض مصر يريد النجاة من فرعون وجنوده، ولم يكن خروجه جُبنا لأن الانبياء يستحيل عليهم الجبن، وتوجه عليه السلام إلى أرض مدين ماشيًا على قدميه بغير زاد ولا دابة يركبها فكان يأكل ورق الشجر، ومدين هي المدينة التي أهلك الله تعالى فيها قوم شعيب، وبقي يمشي مسيرة ثمانية أيام حتى وصل إلى مدين وقد أثر به الجوع والتعب، فجلس تحت ظل شجرة فأبصر امرأتين وكانتا أختين ترعيان الأغنام وتريدان سقي أغنامهما من بئر كبيرة، كان الرعاة يسقون مواشيهم منها وكانت هاتان الأختان تحبسان غنمهما لئلا يختلط بغنم الآخرين، فأشفق موسى عليه السلام عليهما فسألهما عن سبب تعهدهما لرعاية الغنم بأنفسهما، فأخبرتاه بأن أباهما شيخ كبير وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له الأغنام، وكان موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وهو البئر وجد عليه جماعة من الرعاة يسقون أغنامهم منه فلما فرغوا أعادوا صخرة كبيرة عليه، وكانت هذه الصخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فلما حدثت هاتان الأختان خبرهما لموسى عليه السلام تقدم نحو الصخرة الكبيرة الموضوعة على فم البئر فرفعها وحده ثم استقى منها الماء وسقي لهاتين المرأتين غنمهما ورد الحجر مكانه، فلما فرغ من ذلك انصرف إلى ظل شجرة
وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكره،
يقول الله تعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام عندما خرج إلى مدينة مدين:
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) {سورة القصص}
بعد أن سقى موسى عليه السلام غنم المرأتين رجعتا إلى أبيهما نبي الله شعيب عليه السلام مسرعتين وأخبرتاه بخبر موسى عليه السلام، وكيف سقى لهما غنمهما وأخبرتاه بقوته، وطلبتا منه أن يكرمه على هذا الصنيع الحسن معهما، فسر شعيب عليه السلام لحسن صنيع موسى عليه السلام وبعث إحدى ابنتيه هاتين لدعوته إليه، فجاءت إلى موسى عليه السلام تمشي على استحياء ووقار وحشمة وطلبت منه أن يذهب معها إلى أبيها ليجزيه على عظيم صنعه معها ومع أختها وعلى سقيه غنمهما، فقام معها موسى وقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف جسدك، فمشت خلفه تصف له الطريق حتى وصل إلى أبيها شعيب عليه السلام، فلما جاءه أخبره بأمره من حين ولد والسبب الذي أخرجه من أرض مصر، فلما سمع نبي الله شعيب خبر موسى عليه السلام طمأنه قائلا له؟: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، لأنه لا سلطان لفرعون وجنده في أرض مدين.
يقول الله تعالى:
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) {سورة القصص}
وطلبت إحدى الفتاتين من والدها شعيب عليه السلام أن يتخذ موسى عليه السلام أجيرًا عنده لقوته وصدقه وأمانته قئلة له:
) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) {سورة القصص}
وإنما سمته قويًا لرفعه الصخرة العظيمة وحده عن رأس البئر، وسمته أمينًا لأنه امرها ان تمشي خلفه عندما جاءته تدعوه إلى المجىء إلى أبيها، واخبرت أباها بما فعل معها عندما دعته إليه فسر أبوها شعيب عليه السلام بأمانة موسى وورعه ورغب فيه وزوجه ابنته التي أحضرته وقيل اسمها((صفورا)) على أن يرعى له الغنم ثماني سنين يكون فيها أجيرًا عنده وإذا شاء يتممها موسى عليه السلام عشرًا، ولكن موسى عليه السلام أتم المدة كلها وهي عشرًا تفضلا منه.
رجوع موسى لمصر وسماعه كلام الله تعالى واصطفاؤه بالنبوة والرسالة
أقام موسى عليه السلام عند صهره شعيب عليه السلام يرعى له غنمه عشر سنين في أرض مدين، ثم إنه اشتاق لأهله فأراد زيارتهم في بلاد مصر فسار بأهله في ليلة مظلمة باردة ومعه ولداه وغنم قد استفادها في مدة مقامه في مدين، وبينما هو في الطريق في تلك الليلة المظلمة الباردة التي أراد الله تعالى لموسى عليه السلام كرامته وابتداءه فيها بنبوته وكلامه، تاه موسى عليه السلام مع اهله في الطريق حتى لم يكن يدري أين يتوجه ولم يهتد إلى سلوك الدرب المألوف، وكانت زوجته حاملا، فاخذها الطلق في تلك الليلة المظلمة الباردة التي عمها المطر والرعد والبرق، وأراد موسى عليه السلام ان يشعل نارًا فلم يستطيع إلى ذلك سبيلا، وبينما هو كذلك ءانس وابصر من جانب الطور نورًا فحسبه نارًا، يقول الله تبارك وتعالى :
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) {سورة القصص}
وتقدم موسى عليه السلام فلما وصل قريبًا من جبل الطور في واد اسمه((طوى))، رأى نورًا عظيمًا ممتدًا من عنان السماء على شجرة عظيمة خضراء هناك قيل: هي العوسج، فتحير هناك موسى عليه السلم وناداه ربه
قال الله تبارك وتعالى:
) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) {سورة القصص}
فائدة
في قوله تعالى:
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) {سورة النساء}
أسمع الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام كلامه الذاتي الازلي الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة بغير واسطة من ملك وغيره، فقد رفع الله تبارك وتعالى الحجاب عن عبده ونبيه موسى عليه الصلاة والسلام فسمع كلام الله الذاتي الذي لا يشبه كلامنا.
أمر الله موسى وهارون بدعوة فرعون إلى الإيمان
لما كلم الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام وجعله نبيًا ورسولا امره بالذهاب إلى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده وتوحيده تعالى وترك الكفر والإشراك، فطلب موسى عليه السلام من ربه ان يبعث معه اخاه هارون ليكون معه في طاعة الله ومعينًا له على تبليغ الرسالة، فاستجاب الله تعالى دعوته
يقول الله تبارك وتعالى:
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) {سورة طه}
قال المفسرون: إن فرعون كان قد وضع موسى عليه السلام وهو طفل صغير في حجره، فأخذ موسى بلحية فرعون ومدها بيده فهم فرعون بقتله فخافت عليه زوجته ءاسية وقالت لفرعون: إنه طفل لا يعقل وسأريك بيان ذلك، قدم إليه جمرتين ولؤلؤتين فإن اجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل فلما وضعت الجمرتين أمام موسى عليه السلام أخذ موسى جمرة من الجمرتين ووضعهما في فمه فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة خفيفة من أثر هذه الجمرة ولكن ما تركت هذه الجمرة في لسانه أن يكون كلامه بعد ذلك مع الناس غير مفهم بل كان عليه السلام يتكلم على الصواب، وقد سأل موسى عليه السلام ربه لما نزل عليه الوحي أن يزيل هذه العقدة من لسانه فاستجاب الله له وأذهبها عنه
قال الله تعالى:
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) {سورة طه}
مواجهة موسى لفرعون وتكذيب فرعون لموسى
سار موسى عليه السلام بأهله نحو مصر حتى وصلها ليلا وكان هارون عليه السلام يومئذ غائبا بمصر ، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يتلقى أخاه موسى ويخبره أنه قد جعله وزيرًا له ورسولا معه، وتلقى هارون موسى فلما اجتمعا والتقيا قال موسى عليه السلام لأخيه هارون: إن الله تعالى أمرني أن ءاتي فرعون فسألته أن يجعلك معي فانطلق معي إليه، وانطلق موسى وهارون عليهما السلام إلى قصر فرعون ليلا، وطلب موسى من البواب أن يأذن له بالدخول على الملك أي فرعون، وعندما سأله البواب بقوله: وماذا أقول لفرعون؟ أجابه موسى عليه السلام: قل له جاءك رسول رب العالمين، ففزع البواب من كلام موسى عليه السلام ودخل على فرعون مرعوبا وقال له: إن بالباب إنسانًا مجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين، فأخذت فرعون رعدة رهيبة وأمر بوابه بإدخاله مع أخيه هارون عليهما السلام، فلما دخل موسى عليه السلام ومعه أخوه هارون على فرعون في قصره دعواه إلى عبادة الله وحده لا شريك له في الألوهية والدخول في دين الإسلام وبلغاه ما أرسلا به، وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته ويتركهم يعبدون الله تعالى وحده ويتفرغون لعبادته، وهنا تكبر فرعون في نفسه وعتا وطغا وأخذته العزة بالإثم ونظر إلى موسى وهارون بعين الازدراء، وقال لهما: وهل يوجد إله غيري؟ ولما تحقق فرعون من موسى وعلم أنه الذي تربى في بيته وقصره ثم كان من أمره ما كان، قال لموسى عليه السلام: ألم نربك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين؟ أي أما انت الذي ربيناه في منزلنا واحسنا إليه وانعمنا عليه مدة من الدهر؟
قال تعالى:
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ (21) {سورة الشعراء}
وأخذ فرعون يجادل موسى عليه السلام وجحد وجود الله الخالق الصانع وزعم أنه هو وحده الإله، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عما جرى بين نبيه موسى عليه السلام وفرعون من الجدال والمناظرة:
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) {سورة الشعراء}
أظهر فرعون كل عناد وتكبر بالذي جاءه وبلغه إياه موسى عليه السلام مع الحجج القوية الباهرة، ومع هذا كله لم يستفق من رقدته ولم يتلااجع عن ضلالاته بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه مع ما في كلام موسى عليه السلام له من الحجج والبراهين الساطعة النيرة يقول الله تبارك وتعالى في فرعون وفساده:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) {سورة القصص}
بعد أن قامت الحجة على فرعون وانقطعت شبهه الواهية ولم يبق له إلا العناد والتكبر عدل إلى استعمال سلطانه وجاهه
وسطوته وجبروته
يقول الله تعالى حكاية عنه:
قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) {سورة الشعراء}
لذلك خافه فرعون ووثب فزعًا، ثم أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالثلج لها نور يتلألأ ثم ردها فعادت كما كانت بقدرة الله ومشيئته.
وهاتان المعجزتان هما البرهانان اللذان أيد الله تبارك وتعالى بهما نبيه موسى عليه السلام لما أرسله على فرعون وأتباعه وهما معجزتان أبهرتا العقول والأبصار،فحين ألقى موسى عليه السلام عصاه أمام فرعون إذا هي ثعبان مبين أي عظيم الشكل في الضخامة والهول والمنظر الفظيع الباهر، حتى قيل إن فرعون لما شاهد معجزة العصا وعاينها أخذه خوف عظيم انعكس اثر ذلك على صحته وحالته، وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها إذا هي كفلقة القمر تتلألأ نورًا يبهر الأبصار، فلما أعادها إلى جيبه واستخرجها رجعت إلى صفتها الأولى، ومع هذا كله لم يقتنع فرعون بشىء من ذلك بل استمر على كفره وطغيانه وادعى أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة فأرسل يجمعهم من سائر مملكته ومن هم في رعيته وتحت سلطته ودولته، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
خرج سيدنا موسى عليه السلام من أرض مصر يريد النجاة من فرعون وجنوده، ولم يكن خروجه جُبنا لأن الانبياء يستحيل عليهم الجبن، وتوجه عليه السلام إلى أرض مدين ماشيًا على قدميه بغير زاد ولا دابة يركبها فكان يأكل ورق الشجر، ومدين هي المدينة التي أهلك الله تعالى فيها قوم شعيب، وبقي يمشي مسيرة ثمانية أيام حتى وصل إلى مدين وقد أثر به الجوع والتعب، فجلس تحت ظل شجرة فأبصر امرأتين وكانتا أختين ترعيان الأغنام وتريدان سقي أغنامهما من بئر كبيرة، كان الرعاة يسقون مواشيهم منها وكانت هاتان الأختان تحبسان غنمهما لئلا يختلط بغنم الآخرين، فأشفق موسى عليه السلام عليهما فسألهما عن سبب تعهدهما لرعاية الغنم بأنفسهما، فأخبرتاه بأن أباهما شيخ كبير وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له الأغنام، وكان موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وهو البئر وجد عليه جماعة من الرعاة يسقون أغنامهم منه فلما فرغوا أعادوا صخرة كبيرة عليه، وكانت هذه الصخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فلما حدثت هاتان الأختان خبرهما لموسى عليه السلام تقدم نحو الصخرة الكبيرة الموضوعة على فم البئر فرفعها وحده ثم استقى منها الماء وسقي لهاتين المرأتين غنمهما ورد الحجر مكانه، فلما فرغ من ذلك انصرف إلى ظل شجرة
وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكره،
يقول الله تعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام عندما خرج إلى مدينة مدين:
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) {سورة القصص}
بعد أن سقى موسى عليه السلام غنم المرأتين رجعتا إلى أبيهما نبي الله شعيب عليه السلام مسرعتين وأخبرتاه بخبر موسى عليه السلام، وكيف سقى لهما غنمهما وأخبرتاه بقوته، وطلبتا منه أن يكرمه على هذا الصنيع الحسن معهما، فسر شعيب عليه السلام لحسن صنيع موسى عليه السلام وبعث إحدى ابنتيه هاتين لدعوته إليه، فجاءت إلى موسى عليه السلام تمشي على استحياء ووقار وحشمة وطلبت منه أن يذهب معها إلى أبيها ليجزيه على عظيم صنعه معها ومع أختها وعلى سقيه غنمهما، فقام معها موسى وقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف جسدك، فمشت خلفه تصف له الطريق حتى وصل إلى أبيها شعيب عليه السلام، فلما جاءه أخبره بأمره من حين ولد والسبب الذي أخرجه من أرض مصر، فلما سمع نبي الله شعيب خبر موسى عليه السلام طمأنه قائلا له؟: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، لأنه لا سلطان لفرعون وجنده في أرض مدين.
يقول الله تعالى:
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) {سورة القصص}
وطلبت إحدى الفتاتين من والدها شعيب عليه السلام أن يتخذ موسى عليه السلام أجيرًا عنده لقوته وصدقه وأمانته قئلة له:
) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) {سورة القصص}
وإنما سمته قويًا لرفعه الصخرة العظيمة وحده عن رأس البئر، وسمته أمينًا لأنه امرها ان تمشي خلفه عندما جاءته تدعوه إلى المجىء إلى أبيها، واخبرت أباها بما فعل معها عندما دعته إليه فسر أبوها شعيب عليه السلام بأمانة موسى وورعه ورغب فيه وزوجه ابنته التي أحضرته وقيل اسمها((صفورا)) على أن يرعى له الغنم ثماني سنين يكون فيها أجيرًا عنده وإذا شاء يتممها موسى عليه السلام عشرًا، ولكن موسى عليه السلام أتم المدة كلها وهي عشرًا تفضلا منه.
رجوع موسى لمصر وسماعه كلام الله تعالى واصطفاؤه بالنبوة والرسالة
أقام موسى عليه السلام عند صهره شعيب عليه السلام يرعى له غنمه عشر سنين في أرض مدين، ثم إنه اشتاق لأهله فأراد زيارتهم في بلاد مصر فسار بأهله في ليلة مظلمة باردة ومعه ولداه وغنم قد استفادها في مدة مقامه في مدين، وبينما هو في الطريق في تلك الليلة المظلمة الباردة التي أراد الله تعالى لموسى عليه السلام كرامته وابتداءه فيها بنبوته وكلامه، تاه موسى عليه السلام مع اهله في الطريق حتى لم يكن يدري أين يتوجه ولم يهتد إلى سلوك الدرب المألوف، وكانت زوجته حاملا، فاخذها الطلق في تلك الليلة المظلمة الباردة التي عمها المطر والرعد والبرق، وأراد موسى عليه السلام ان يشعل نارًا فلم يستطيع إلى ذلك سبيلا، وبينما هو كذلك ءانس وابصر من جانب الطور نورًا فحسبه نارًا، يقول الله تبارك وتعالى :
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) {سورة القصص}
وتقدم موسى عليه السلام فلما وصل قريبًا من جبل الطور في واد اسمه((طوى))، رأى نورًا عظيمًا ممتدًا من عنان السماء على شجرة عظيمة خضراء هناك قيل: هي العوسج، فتحير هناك موسى عليه السلم وناداه ربه
قال الله تبارك وتعالى:
) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) {سورة القصص}
فائدة
في قوله تعالى:
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) {سورة النساء}
أسمع الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام كلامه الذاتي الازلي الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة بغير واسطة من ملك وغيره، فقد رفع الله تبارك وتعالى الحجاب عن عبده ونبيه موسى عليه الصلاة والسلام فسمع كلام الله الذاتي الذي لا يشبه كلامنا.
أمر الله موسى وهارون بدعوة فرعون إلى الإيمان
لما كلم الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام وجعله نبيًا ورسولا امره بالذهاب إلى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده وتوحيده تعالى وترك الكفر والإشراك، فطلب موسى عليه السلام من ربه ان يبعث معه اخاه هارون ليكون معه في طاعة الله ومعينًا له على تبليغ الرسالة، فاستجاب الله تعالى دعوته
يقول الله تبارك وتعالى:
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) {سورة طه}
قال المفسرون: إن فرعون كان قد وضع موسى عليه السلام وهو طفل صغير في حجره، فأخذ موسى بلحية فرعون ومدها بيده فهم فرعون بقتله فخافت عليه زوجته ءاسية وقالت لفرعون: إنه طفل لا يعقل وسأريك بيان ذلك، قدم إليه جمرتين ولؤلؤتين فإن اجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل فلما وضعت الجمرتين أمام موسى عليه السلام أخذ موسى جمرة من الجمرتين ووضعهما في فمه فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة خفيفة من أثر هذه الجمرة ولكن ما تركت هذه الجمرة في لسانه أن يكون كلامه بعد ذلك مع الناس غير مفهم بل كان عليه السلام يتكلم على الصواب، وقد سأل موسى عليه السلام ربه لما نزل عليه الوحي أن يزيل هذه العقدة من لسانه فاستجاب الله له وأذهبها عنه
قال الله تعالى:
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) {سورة طه}
مواجهة موسى لفرعون وتكذيب فرعون لموسى
سار موسى عليه السلام بأهله نحو مصر حتى وصلها ليلا وكان هارون عليه السلام يومئذ غائبا بمصر ، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يتلقى أخاه موسى ويخبره أنه قد جعله وزيرًا له ورسولا معه، وتلقى هارون موسى فلما اجتمعا والتقيا قال موسى عليه السلام لأخيه هارون: إن الله تعالى أمرني أن ءاتي فرعون فسألته أن يجعلك معي فانطلق معي إليه، وانطلق موسى وهارون عليهما السلام إلى قصر فرعون ليلا، وطلب موسى من البواب أن يأذن له بالدخول على الملك أي فرعون، وعندما سأله البواب بقوله: وماذا أقول لفرعون؟ أجابه موسى عليه السلام: قل له جاءك رسول رب العالمين، ففزع البواب من كلام موسى عليه السلام ودخل على فرعون مرعوبا وقال له: إن بالباب إنسانًا مجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين، فأخذت فرعون رعدة رهيبة وأمر بوابه بإدخاله مع أخيه هارون عليهما السلام، فلما دخل موسى عليه السلام ومعه أخوه هارون على فرعون في قصره دعواه إلى عبادة الله وحده لا شريك له في الألوهية والدخول في دين الإسلام وبلغاه ما أرسلا به، وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته ويتركهم يعبدون الله تعالى وحده ويتفرغون لعبادته، وهنا تكبر فرعون في نفسه وعتا وطغا وأخذته العزة بالإثم ونظر إلى موسى وهارون بعين الازدراء، وقال لهما: وهل يوجد إله غيري؟ ولما تحقق فرعون من موسى وعلم أنه الذي تربى في بيته وقصره ثم كان من أمره ما كان، قال لموسى عليه السلام: ألم نربك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين؟ أي أما انت الذي ربيناه في منزلنا واحسنا إليه وانعمنا عليه مدة من الدهر؟
قال تعالى:
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ (21) {سورة الشعراء}
وأخذ فرعون يجادل موسى عليه السلام وجحد وجود الله الخالق الصانع وزعم أنه هو وحده الإله، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عما جرى بين نبيه موسى عليه السلام وفرعون من الجدال والمناظرة:
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) {سورة الشعراء}
أظهر فرعون كل عناد وتكبر بالذي جاءه وبلغه إياه موسى عليه السلام مع الحجج القوية الباهرة، ومع هذا كله لم يستفق من رقدته ولم يتلااجع عن ضلالاته بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه مع ما في كلام موسى عليه السلام له من الحجج والبراهين الساطعة النيرة يقول الله تبارك وتعالى في فرعون وفساده:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) {سورة القصص}
بعد أن قامت الحجة على فرعون وانقطعت شبهه الواهية ولم يبق له إلا العناد والتكبر عدل إلى استعمال سلطانه وجاهه
وسطوته وجبروته
يقول الله تعالى حكاية عنه:
قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) {سورة الشعراء}
لذلك خافه فرعون ووثب فزعًا، ثم أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالثلج لها نور يتلألأ ثم ردها فعادت كما كانت بقدرة الله ومشيئته.
وهاتان المعجزتان هما البرهانان اللذان أيد الله تبارك وتعالى بهما نبيه موسى عليه السلام لما أرسله على فرعون وأتباعه وهما معجزتان أبهرتا العقول والأبصار،فحين ألقى موسى عليه السلام عصاه أمام فرعون إذا هي ثعبان مبين أي عظيم الشكل في الضخامة والهول والمنظر الفظيع الباهر، حتى قيل إن فرعون لما شاهد معجزة العصا وعاينها أخذه خوف عظيم انعكس اثر ذلك على صحته وحالته، وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها إذا هي كفلقة القمر تتلألأ نورًا يبهر الأبصار، فلما أعادها إلى جيبه واستخرجها رجعت إلى صفتها الأولى، ومع هذا كله لم يقتنع فرعون بشىء من ذلك بل استمر على كفره وطغيانه وادعى أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة فأرسل يجمعهم من سائر مملكته ومن هم في رعيته وتحت سلطته ودولته، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
Abdel Mohsen- عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه
رد: موسى وهارون (2)
مشكوووووور
ŽỲỖǾỖĐ- عدد المساهمات : 500
نقاط : 699
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/12/2009
رد: موسى وهارون (2)
العفوو
Abdel Mohsen- عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه
مواضيع مماثلة
» موسى وهارون (1)
» موسى وهارون (3)
» موسى وهارون (4)
» موسى وهارون (5)
» التوتو سبورت : يوفنتوس يرغب بضم موسى ديمبيلي قبل ميلان
» موسى وهارون (3)
» موسى وهارون (4)
» موسى وهارون (5)
» التوتو سبورت : يوفنتوس يرغب بضم موسى ديمبيلي قبل ميلان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى