موسى وهارون (1)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
موسى وهارون (1)
:: نص الموضوع :
قال الله تبارك وتعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) {سورة مريم}
وقال تعالى:
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) {سورة مريم}
نسبه عليه السلام
هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، واسم أمه يوحانذ، وقيل (أياذخت)) والله اعلم، أما هارون فهو شقيق سيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام.
عدد ذكره في القرءان الكريم
ذكر اسم موسى عليه السلام في القرءان مائة وستًا وثلاثين مرة في كثير من السور المباركة.
زمان مولد موسى عليه السلام
ولد سيدنا موسى عليه السلام في عهد الطاغية الوليد بن مصعب فرعون مصر عدو الله الذي اشتهر بالطغيان والجبروت وادعى الألوهية.
وفرعون كان لقب كل ملك من ملوك مصر كما أن كسرى لقب لكل ملك من ملوك بلاد فارس، ويقال إن فرعون هذا تولى الملك بعد موت أخيه فكان أعتى وأفجر وأشد عنادًا وطغيانًا منه، وقد ذاق بنو إسرائيل من أذاه وشره ما لم يذوقوه من قبل، يقول الله تبارك وتعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) {سورة القصص}
فقد سلط هذا الملك الطاغية المتكبر فرعون الذي عمّر مدة قيل تزيد على أربعمائة سنة على بني إسرائيل يذيقهم العذاب يذبح أبناءهم ويستبقي نساءهم للخدمة ويستخدم الرجال منهم في أخس الصنائع والحرف وكان قد صنفهم أصنافًا، فصنف يبنون وصنف يحرثون وصنف يتولون الأعمال القذرة، ومن لم يكن منهم أهلا للعمل كان يأخذ منه الجزية.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن بني إسرائيل فبعث إليهم موسى ابن عمران عليه السلام لينقذهم من شر هذا الملك ويخلصهم من ظلمه وطغيانه، فكانت بعثته عليه الصلاة والسلام رحمة لبني إسرائيل وإنقاذًا لهم من ظلم هذا الملك.
سبب قتل فرعون أبناء بني إسرائيل
رأى فرعون مصر في منامه رؤيا منامية أفزعته فاهتم لها واغتم، فقد رأى كأن نارًا قد أقبلت من جهة بيت المقدس حتى وصلت إلى بلاد مصر وأحاطت بدورها وبيوتها فأحرقتها وأحرقت الأقباط وتركت بني إسرائيل دون أذى، فلما استيقظ هالته هذه الرؤيا، لذلك جمع الكهنة والسحرة والمنجمين وسألهم عن تأويل هذه الرؤيا وتفسيرها، فقالوا له: هذا غلام يولد في بني إسرائيل يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، ويكون ذهاب ملكك على يديه أيضًا ويخرجك وقومك من بلدك ويبدل دينك، وقد أضلك زمانه الذي يولد فيه، لذلك أمر فرعون الطاغية أن يقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل، فجمع القابلات وقال لهن: لا يولد على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا تقتلنه وتوعدهن ووكل بهن وكلاء، فكانت القابلة تنفذ أمر فرعون فكانت تقتل كل مولود ذكر من أطفال بني إسرائيل خوفًا من فرعون وبطشه، وأما الإناث فكن لا يقتلن بل يبقين على قيد الحياة من أجل الخدمة والتسخير قال تعالى:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) {سورة البقرة}
وأمر فرعون كذلك بقتل كل الأطفال الذين هم في زمانه وبقتل من بعدهم، وأخذ جنوده الأشرار يعذبون الحبالى من نساء بني إسرائيل حتى كانت المرأة منهم تسقط حملها خوفًا من التعذيب والتنكيل على أيدي جنود فرعون، ولما كثر الموت في الشيوخ والكبار من بني إسرائيل دخل وجهاء الأقباط ورؤساءهم على فرعون وقالوا له: إن الموت قد وقع في مشيخة بني إسرائيل - أي الكبار منهم - وأنت تأمر بقتل صغارهم لهذا يوشك أن يقع العمل والخدمة علينا ولا يبقى أحد للخدمة غيرنا، لذلك أمر فرعون أن يقتل غلمان بني إسرائيل سنة ويتركوا سنة حتى لا يهلك جميع أبناء بني إسرائيل الذين كان فرعون يستخدمهم في أعماله.
مولد موسى وهارون
هارون عليه السلام بعثه الله تبارك وتعالى معينًا لنبيه موسى عليه السلام حين أراد أن يبعثه إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان، وقد دعا موسى عليه السلام ربه بدعوات حين أمره تعالى أن يذهب إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان وقد استجاب الله دعوته،
قال تعالى حكاية عن موسى:
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) {سورة طه}
ولد نبي الله هارون عليه السلام بعد ولادة موسى بثلاث سنوات، وفي السنة التي لا يذبح فيها الأطفال أي عام المسامحة عن قتل الأبناء فترك ولم يُذبح، وولد نبي الله موسى عليه السلام في السنة التي يذبح فيها الأطفال، فضاقت أمه به ذرعًا خوفًا من قتله وأخذت تأخذ حذرها وحيطتها من أول ما حبلت به، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحمل، ولما قرب وقت وضع الحمل حزنت حزنًا شديدًا واشتد غمها وكربها، فألهمها الله تعالى ألا تخاف ولا تحزن لأن هذا المولود سيكون له شأن عظيم وأنه سيحفظه من كيد فرعون ثم يجعله من المرسلين، وأمرها الله تبارك وتعالى أن ترضعه، حتى إذا خافت عليه تصنع له تابوتًا وصندوقًا من خشب ثم تضعه فيه وتلقيه في البحر ولا تخاف من الهلاك ولا تحزن لأنه سيكون في حفظ الله ورعايته وكفى به حافظًا ووكيلا.
قال الله تبارك وتعالى:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) {سورة القصص}
ولدت أم موسى نبي الله موسى عليه السلام خفية، وجعلت ترضعه برأفة وحنان وهي واثقة من حفظ الله تبارك وتعالى له، ولما خشيت عليه من كيد فرعون وجنوده السفاحين اتخذت صندوقًا وجعلت فيه قطنًا ثم وضعت فيه وليدها الصغير موسى عليه السلام، وربطت الصندوق في حبل وكانت دارها متاخمة لنهر النيل، فكانت ترضع وليدها موسى كل يوم فإذا خشيت عليه من أحد وضعته في ذلك التابوت والصندوق وأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهب هؤلاء الذين تخشى عليه منهم استرجعته إليها. وذات يوم أرسلته وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فانطلق الصندوق وفيه موسى الرضيع عليه السلام مع نهر النيل، وانطلق الماء به يرفعه الموج تارة ويخفضه تارة أخرى حتى وصل إلى قصر فرعون، وبينما كانت الجواري في قصر فرعون يغتسلن على ضفاف نهر النيل أبصرن هذا الصندوق فأخذنه وظنن أن فيه مالا وأشياء ثمينة فحملنه على حالته إلى زوجة فرعون ءاسيا بنت مزاحم وكانت من بني إسرائيل، وكانت مؤمنة صالحة تقية على دين الإسلام، وكانت تكتم إسلامها خوفًا من فرعون وطغيانه، فلما فتحت باب التابوت والصندوق رأت فيه طفلا جميلا وسيمًا فألقى الله تعالى محبته في قلبها وأحبته حبا شديدًا، فلما جاء فرعون ورءاه أراد قتله وأمر بذبحه فما كان من زوجته ءاسيا إلا أن دافعت عنه وطلبت منه أن لا يقتله لأنها كانت لا تلد،
قال الله تعالى:
وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) {سورة القصص}
فما كان من فرعون إلا أن أجابها بقوله: يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه.
قصة رضاعة موسى عليه السلام
عاش المولود الصغير في دار فرعون عند زوجته ءاسية التي أحبته حبا شديدًا وأخذت تعطف عليه من فرعون ولما شاهدا فيه جمال وهيبة، وأخذت تبحث له عن مرضع ترضعه وتربيه، وكانت كلما أحضرت مرضعة لترضعه وتغذيه من لبنها يمتنع عن قبول ثديها، وحاروا في أمره حتى اشتد به الجوع وكثر منه البكاء وخشيت عليه من الهلاك، فأخذت تبحث بنفسها عن مرضع له عسى أن تجد مرضعا يقبل ثديها ويتغذى بلبنها، وفي هذه الأثناء كان حنين أم موسى عليه السلام يشتد نحو موسى الذي صار في قصر فرعون، وكانت الأشواق تتأجج داخلها شوقًا إلى طفلها الصغير موسى عليه السلام حتى طلبت من أخته أن تتبعه وتقص ءاثاره عسى أن تأتيها بأخبار موسى عليه السلام في قصر فرعون فيشفي غليلها، وكانت قد سمعت أن فرعون قد أصاب صبيًا في تابوت ووضعه في قصره.
واستجابت أخت موسى لطلب أمها وصارت تتقصى وتتبع أخبار أخيها موسى عليه السلام في قصر ودار فرعون حتى أبصرته داخل القصر على بعد منها عنه لئلا يفطن جند فرعون لها، ولما تتبعت أخباره وأحواله علمت أنه ممتنع عن قبول ثدي أي مرضعة تأتي لترضعه وأنه كثير البكاء من الجوع، فقد قيل أنه بقي عليه السلام ثمانية أيام ولياليهن كلما أتى بمرضع لم يقبل حتى أهمهُم ذلك واشتد عليهم.
عند ذلك دخلت أخت موسى القصر وتقدمت من ءاسية زوجة فرعون تعرض عليها أن تأتي لها بامرأة أمينة تكفل وتتعهد هذا الرضيع الصغير في مقابل أجر لها فوافقت ءاسية على طلبها، وانطلقت أخت موسى بفرح وسرور إلى أمها تخبرها الخبر، وما أن سمعت هذا الخبر حتى عمها الفرح والسرور وانطلقت إلى قصر فرعون، فلما دخلت ووضعت وليدها الصغير موسى في حجرها التقط موسى عليه السلام ثديها وأخذ يرضع منه حتى ارتوى، ففرحت ءاسية بذلك فرحًا عظيمًا وطلبت منها أن تمكث في القصر لترضع هذا الغلام، ووعدتها بأن تعطيها أنواع الهدايا وتكرمها بأنواع الإكرام، ولمن أم موسى طلبت من ءاسية أن تسمح لها بأخذ الغلام إلى بيتها لتتعهده هناك بالرعاية والعناية لأنها لا تستطيع أن تترك بيتها وأولادها، وأمام هذا الأمر الواقع رضيت ءاسية بذلك على أن تأتي به إليها في قصرها كل فترة لتراه ثم تعيده لها، وهكذا أعطى الله تبارك وتعالى أم موسى ما وعدها به ورد لها ولدها موسى وكان وعد الله تعالى حقًا،
يقول الله تبارك وتعالى:
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) {سورة القصص}
نشأة موسى وقتله للرجل القبطي
مكث موسى عليه السلام عند أمه ترضعه حتى فطمته ثم ردته إليهم، فنشأ عليه السلام في حجر فرعون وزوجته ءاسيا واتخذاه ولدا، وشب عليه السلام قي قصر فرعون وعاش فيه معززًا مكرما وكان يعيش عيشة أبناء الملوك فيركب مراكب فرعون ويلبس ما يلبس فرعون.
وترعرع موسى عليه السلام بين قومه حتى إذا بلغ أشده ءاتاه الله تعالى حكما وعلما، وذات يوم ركب فرعون مركبا وليس عنده موسى عليه السلام فلما جاء موسى ركب في أثره يتبعه فأدركه المقيل في مدينة من مدن مصر القديمة، وبينما هو يتجول في طرقها وكان الوقت وقت الظهيرة والأسواق مغلقة والناس في بيوتهم وجد رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي من ءال فرعون اعتدى على ذاك الإسرائيلي، فلما مر موسى عليه السلام استغاثه الإسرائلي ليخلصه من شر ذلك القبطي، فأقبل موسى عليه السلام نحو القبطي يريد أن يمنعه من الاعتداء ويدفع الأذى عن ذاك الإسرائيلي فوكزه موسى عليه السلام - ضربه بجمع يديه - فقضى عليه وقتله وخر القبطي على الأرض ميتًا، فندم موسى عليه السلام على ذلك وكانت هذه المعصية صغيرة من سيدنا موسى عليه السلام وذلك أنه لا ينبغي لنبي من الأنبياء أن يقتل حتى يؤمر أو يؤذن له بالقتل، وتاب سيدنا موسى عليه السلام من هذا الذنب وقبل الله تعالى توبته وغفر له، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) {سورة القصص}
ولما قتل موسى عليه السلام ذلك القبطي الذي هو من اتباع فرعون أصبح عليه السلام في المدينة التي دخلها خائفا على نفسه من فرعون وأتباعه ويترقب وينتظر سوءا يناله منهم إذا علموا أن هذا القتيل إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل فتقوى بذلك ظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك أمر عظيم، ولم يكن أحد من الناس قد رأى موسى عليه السلام يقتل القبطي إلا ذاك الرجل الإسرائيلي، وكان الأقباط أتباع فرعون قد أتوا فرعون وقد غاظهم وأغظبهم قتل واحد منهم، وطلبوا منه أن يأخذ لهم بثأرهم من بني إسرائيل وقالوا له: إن بني إسرائيل قتلوا رجل منا فخذ لنا بحقنا، فقال لهم فرعون: ائتوني بقاتله ومن يشهد عليه لآخذ لكم حقكم، فبينما هم يطوفون يبحثون عن القاتل ويتلمسون الأخبار إذ وقعت حادثة أخرى بين ذاك الإسرائيلي وأحد الأقباط في اليوم الثاني، وإذا موسى عليه السلام يمر فرأى ذاك الإسرائيلي يقاتل قبطيًا فرعونيا ءاخر فاستغاثه هذا الإسرائيلي على خصمه الفرعوني القبطي، فتقدم موسى عليه السلام غاضبًا وهو يريد أن يبطش بذلك الفرعوني القبطي، ولكن لما رأى هذا الإسرائلي غضب موسى عليه السلام ورأى ءاثار الغضب على وجهه وسمعه يقول له معنفًا له على كثرة مخاصمته , قال تعالى :
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) {سورة القصص}
ورءاه وقد هم أن يبطش بهذا الفرعوني فظن أنه يريده فخاف على نفسه فقال لموسى عليه السلام حينئذ : يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس، فسمع الفرعوني هذا الكلام فتركه وانطلق وذهب مسرعًا غلى فرعون وجماعته وأخبرهم أن موسى هو الذي قتل ذاك الرجل القبطي، فما كان من فرعون إلا أن أمر جنده أن يبحثوا عن موسى ويأتوه به ليقتله، حتى لا يتجرأ أحد من بني إسرائيل على قتل احد من اتباعه الأقباط، فذهب الجند يفتشون ويبحثون عن موسى عليه السلام في طرقات المدينة، وكان رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيمانه يقال له((حزقيل)) قد علم بأمر فرعون بالاتيان بموسى ليقتله فما كان منه إلا أن سبقهم إلى موسى عليه السلام من طريق اقرب وأخبره بالخبر وبمؤامرة فرعون وجنده وطلب منه ناصحًا مشفقًا عليه أن يخرج من مصر إلى أرض مدين ودعا ربه أن يهديه الطريق إليها وأن ينجيه من شر فرعون،
يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام:
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) {سورة القصص}
قال الله تبارك وتعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) {سورة مريم}
وقال تعالى:
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) {سورة مريم}
نسبه عليه السلام
هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، واسم أمه يوحانذ، وقيل (أياذخت)) والله اعلم، أما هارون فهو شقيق سيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام.
عدد ذكره في القرءان الكريم
ذكر اسم موسى عليه السلام في القرءان مائة وستًا وثلاثين مرة في كثير من السور المباركة.
زمان مولد موسى عليه السلام
ولد سيدنا موسى عليه السلام في عهد الطاغية الوليد بن مصعب فرعون مصر عدو الله الذي اشتهر بالطغيان والجبروت وادعى الألوهية.
وفرعون كان لقب كل ملك من ملوك مصر كما أن كسرى لقب لكل ملك من ملوك بلاد فارس، ويقال إن فرعون هذا تولى الملك بعد موت أخيه فكان أعتى وأفجر وأشد عنادًا وطغيانًا منه، وقد ذاق بنو إسرائيل من أذاه وشره ما لم يذوقوه من قبل، يقول الله تبارك وتعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) {سورة القصص}
فقد سلط هذا الملك الطاغية المتكبر فرعون الذي عمّر مدة قيل تزيد على أربعمائة سنة على بني إسرائيل يذيقهم العذاب يذبح أبناءهم ويستبقي نساءهم للخدمة ويستخدم الرجال منهم في أخس الصنائع والحرف وكان قد صنفهم أصنافًا، فصنف يبنون وصنف يحرثون وصنف يتولون الأعمال القذرة، ومن لم يكن منهم أهلا للعمل كان يأخذ منه الجزية.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن بني إسرائيل فبعث إليهم موسى ابن عمران عليه السلام لينقذهم من شر هذا الملك ويخلصهم من ظلمه وطغيانه، فكانت بعثته عليه الصلاة والسلام رحمة لبني إسرائيل وإنقاذًا لهم من ظلم هذا الملك.
سبب قتل فرعون أبناء بني إسرائيل
رأى فرعون مصر في منامه رؤيا منامية أفزعته فاهتم لها واغتم، فقد رأى كأن نارًا قد أقبلت من جهة بيت المقدس حتى وصلت إلى بلاد مصر وأحاطت بدورها وبيوتها فأحرقتها وأحرقت الأقباط وتركت بني إسرائيل دون أذى، فلما استيقظ هالته هذه الرؤيا، لذلك جمع الكهنة والسحرة والمنجمين وسألهم عن تأويل هذه الرؤيا وتفسيرها، فقالوا له: هذا غلام يولد في بني إسرائيل يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، ويكون ذهاب ملكك على يديه أيضًا ويخرجك وقومك من بلدك ويبدل دينك، وقد أضلك زمانه الذي يولد فيه، لذلك أمر فرعون الطاغية أن يقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل، فجمع القابلات وقال لهن: لا يولد على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا تقتلنه وتوعدهن ووكل بهن وكلاء، فكانت القابلة تنفذ أمر فرعون فكانت تقتل كل مولود ذكر من أطفال بني إسرائيل خوفًا من فرعون وبطشه، وأما الإناث فكن لا يقتلن بل يبقين على قيد الحياة من أجل الخدمة والتسخير قال تعالى:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) {سورة البقرة}
وأمر فرعون كذلك بقتل كل الأطفال الذين هم في زمانه وبقتل من بعدهم، وأخذ جنوده الأشرار يعذبون الحبالى من نساء بني إسرائيل حتى كانت المرأة منهم تسقط حملها خوفًا من التعذيب والتنكيل على أيدي جنود فرعون، ولما كثر الموت في الشيوخ والكبار من بني إسرائيل دخل وجهاء الأقباط ورؤساءهم على فرعون وقالوا له: إن الموت قد وقع في مشيخة بني إسرائيل - أي الكبار منهم - وأنت تأمر بقتل صغارهم لهذا يوشك أن يقع العمل والخدمة علينا ولا يبقى أحد للخدمة غيرنا، لذلك أمر فرعون أن يقتل غلمان بني إسرائيل سنة ويتركوا سنة حتى لا يهلك جميع أبناء بني إسرائيل الذين كان فرعون يستخدمهم في أعماله.
مولد موسى وهارون
هارون عليه السلام بعثه الله تبارك وتعالى معينًا لنبيه موسى عليه السلام حين أراد أن يبعثه إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان، وقد دعا موسى عليه السلام ربه بدعوات حين أمره تعالى أن يذهب إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان وقد استجاب الله دعوته،
قال تعالى حكاية عن موسى:
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) {سورة طه}
ولد نبي الله هارون عليه السلام بعد ولادة موسى بثلاث سنوات، وفي السنة التي لا يذبح فيها الأطفال أي عام المسامحة عن قتل الأبناء فترك ولم يُذبح، وولد نبي الله موسى عليه السلام في السنة التي يذبح فيها الأطفال، فضاقت أمه به ذرعًا خوفًا من قتله وأخذت تأخذ حذرها وحيطتها من أول ما حبلت به، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحمل، ولما قرب وقت وضع الحمل حزنت حزنًا شديدًا واشتد غمها وكربها، فألهمها الله تعالى ألا تخاف ولا تحزن لأن هذا المولود سيكون له شأن عظيم وأنه سيحفظه من كيد فرعون ثم يجعله من المرسلين، وأمرها الله تبارك وتعالى أن ترضعه، حتى إذا خافت عليه تصنع له تابوتًا وصندوقًا من خشب ثم تضعه فيه وتلقيه في البحر ولا تخاف من الهلاك ولا تحزن لأنه سيكون في حفظ الله ورعايته وكفى به حافظًا ووكيلا.
قال الله تبارك وتعالى:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) {سورة القصص}
ولدت أم موسى نبي الله موسى عليه السلام خفية، وجعلت ترضعه برأفة وحنان وهي واثقة من حفظ الله تبارك وتعالى له، ولما خشيت عليه من كيد فرعون وجنوده السفاحين اتخذت صندوقًا وجعلت فيه قطنًا ثم وضعت فيه وليدها الصغير موسى عليه السلام، وربطت الصندوق في حبل وكانت دارها متاخمة لنهر النيل، فكانت ترضع وليدها موسى كل يوم فإذا خشيت عليه من أحد وضعته في ذلك التابوت والصندوق وأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهب هؤلاء الذين تخشى عليه منهم استرجعته إليها. وذات يوم أرسلته وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فانطلق الصندوق وفيه موسى الرضيع عليه السلام مع نهر النيل، وانطلق الماء به يرفعه الموج تارة ويخفضه تارة أخرى حتى وصل إلى قصر فرعون، وبينما كانت الجواري في قصر فرعون يغتسلن على ضفاف نهر النيل أبصرن هذا الصندوق فأخذنه وظنن أن فيه مالا وأشياء ثمينة فحملنه على حالته إلى زوجة فرعون ءاسيا بنت مزاحم وكانت من بني إسرائيل، وكانت مؤمنة صالحة تقية على دين الإسلام، وكانت تكتم إسلامها خوفًا من فرعون وطغيانه، فلما فتحت باب التابوت والصندوق رأت فيه طفلا جميلا وسيمًا فألقى الله تعالى محبته في قلبها وأحبته حبا شديدًا، فلما جاء فرعون ورءاه أراد قتله وأمر بذبحه فما كان من زوجته ءاسيا إلا أن دافعت عنه وطلبت منه أن لا يقتله لأنها كانت لا تلد،
قال الله تعالى:
وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) {سورة القصص}
فما كان من فرعون إلا أن أجابها بقوله: يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه.
قصة رضاعة موسى عليه السلام
عاش المولود الصغير في دار فرعون عند زوجته ءاسية التي أحبته حبا شديدًا وأخذت تعطف عليه من فرعون ولما شاهدا فيه جمال وهيبة، وأخذت تبحث له عن مرضع ترضعه وتربيه، وكانت كلما أحضرت مرضعة لترضعه وتغذيه من لبنها يمتنع عن قبول ثديها، وحاروا في أمره حتى اشتد به الجوع وكثر منه البكاء وخشيت عليه من الهلاك، فأخذت تبحث بنفسها عن مرضع له عسى أن تجد مرضعا يقبل ثديها ويتغذى بلبنها، وفي هذه الأثناء كان حنين أم موسى عليه السلام يشتد نحو موسى الذي صار في قصر فرعون، وكانت الأشواق تتأجج داخلها شوقًا إلى طفلها الصغير موسى عليه السلام حتى طلبت من أخته أن تتبعه وتقص ءاثاره عسى أن تأتيها بأخبار موسى عليه السلام في قصر فرعون فيشفي غليلها، وكانت قد سمعت أن فرعون قد أصاب صبيًا في تابوت ووضعه في قصره.
واستجابت أخت موسى لطلب أمها وصارت تتقصى وتتبع أخبار أخيها موسى عليه السلام في قصر ودار فرعون حتى أبصرته داخل القصر على بعد منها عنه لئلا يفطن جند فرعون لها، ولما تتبعت أخباره وأحواله علمت أنه ممتنع عن قبول ثدي أي مرضعة تأتي لترضعه وأنه كثير البكاء من الجوع، فقد قيل أنه بقي عليه السلام ثمانية أيام ولياليهن كلما أتى بمرضع لم يقبل حتى أهمهُم ذلك واشتد عليهم.
عند ذلك دخلت أخت موسى القصر وتقدمت من ءاسية زوجة فرعون تعرض عليها أن تأتي لها بامرأة أمينة تكفل وتتعهد هذا الرضيع الصغير في مقابل أجر لها فوافقت ءاسية على طلبها، وانطلقت أخت موسى بفرح وسرور إلى أمها تخبرها الخبر، وما أن سمعت هذا الخبر حتى عمها الفرح والسرور وانطلقت إلى قصر فرعون، فلما دخلت ووضعت وليدها الصغير موسى في حجرها التقط موسى عليه السلام ثديها وأخذ يرضع منه حتى ارتوى، ففرحت ءاسية بذلك فرحًا عظيمًا وطلبت منها أن تمكث في القصر لترضع هذا الغلام، ووعدتها بأن تعطيها أنواع الهدايا وتكرمها بأنواع الإكرام، ولمن أم موسى طلبت من ءاسية أن تسمح لها بأخذ الغلام إلى بيتها لتتعهده هناك بالرعاية والعناية لأنها لا تستطيع أن تترك بيتها وأولادها، وأمام هذا الأمر الواقع رضيت ءاسية بذلك على أن تأتي به إليها في قصرها كل فترة لتراه ثم تعيده لها، وهكذا أعطى الله تبارك وتعالى أم موسى ما وعدها به ورد لها ولدها موسى وكان وعد الله تعالى حقًا،
يقول الله تبارك وتعالى:
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) {سورة القصص}
نشأة موسى وقتله للرجل القبطي
مكث موسى عليه السلام عند أمه ترضعه حتى فطمته ثم ردته إليهم، فنشأ عليه السلام في حجر فرعون وزوجته ءاسيا واتخذاه ولدا، وشب عليه السلام قي قصر فرعون وعاش فيه معززًا مكرما وكان يعيش عيشة أبناء الملوك فيركب مراكب فرعون ويلبس ما يلبس فرعون.
وترعرع موسى عليه السلام بين قومه حتى إذا بلغ أشده ءاتاه الله تعالى حكما وعلما، وذات يوم ركب فرعون مركبا وليس عنده موسى عليه السلام فلما جاء موسى ركب في أثره يتبعه فأدركه المقيل في مدينة من مدن مصر القديمة، وبينما هو يتجول في طرقها وكان الوقت وقت الظهيرة والأسواق مغلقة والناس في بيوتهم وجد رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي من ءال فرعون اعتدى على ذاك الإسرائيلي، فلما مر موسى عليه السلام استغاثه الإسرائلي ليخلصه من شر ذلك القبطي، فأقبل موسى عليه السلام نحو القبطي يريد أن يمنعه من الاعتداء ويدفع الأذى عن ذاك الإسرائيلي فوكزه موسى عليه السلام - ضربه بجمع يديه - فقضى عليه وقتله وخر القبطي على الأرض ميتًا، فندم موسى عليه السلام على ذلك وكانت هذه المعصية صغيرة من سيدنا موسى عليه السلام وذلك أنه لا ينبغي لنبي من الأنبياء أن يقتل حتى يؤمر أو يؤذن له بالقتل، وتاب سيدنا موسى عليه السلام من هذا الذنب وقبل الله تعالى توبته وغفر له، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) {سورة القصص}
ولما قتل موسى عليه السلام ذلك القبطي الذي هو من اتباع فرعون أصبح عليه السلام في المدينة التي دخلها خائفا على نفسه من فرعون وأتباعه ويترقب وينتظر سوءا يناله منهم إذا علموا أن هذا القتيل إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل فتقوى بذلك ظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك أمر عظيم، ولم يكن أحد من الناس قد رأى موسى عليه السلام يقتل القبطي إلا ذاك الرجل الإسرائيلي، وكان الأقباط أتباع فرعون قد أتوا فرعون وقد غاظهم وأغظبهم قتل واحد منهم، وطلبوا منه أن يأخذ لهم بثأرهم من بني إسرائيل وقالوا له: إن بني إسرائيل قتلوا رجل منا فخذ لنا بحقنا، فقال لهم فرعون: ائتوني بقاتله ومن يشهد عليه لآخذ لكم حقكم، فبينما هم يطوفون يبحثون عن القاتل ويتلمسون الأخبار إذ وقعت حادثة أخرى بين ذاك الإسرائيلي وأحد الأقباط في اليوم الثاني، وإذا موسى عليه السلام يمر فرأى ذاك الإسرائيلي يقاتل قبطيًا فرعونيا ءاخر فاستغاثه هذا الإسرائيلي على خصمه الفرعوني القبطي، فتقدم موسى عليه السلام غاضبًا وهو يريد أن يبطش بذلك الفرعوني القبطي، ولكن لما رأى هذا الإسرائلي غضب موسى عليه السلام ورأى ءاثار الغضب على وجهه وسمعه يقول له معنفًا له على كثرة مخاصمته , قال تعالى :
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) {سورة القصص}
ورءاه وقد هم أن يبطش بهذا الفرعوني فظن أنه يريده فخاف على نفسه فقال لموسى عليه السلام حينئذ : يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس، فسمع الفرعوني هذا الكلام فتركه وانطلق وذهب مسرعًا غلى فرعون وجماعته وأخبرهم أن موسى هو الذي قتل ذاك الرجل القبطي، فما كان من فرعون إلا أن أمر جنده أن يبحثوا عن موسى ويأتوه به ليقتله، حتى لا يتجرأ أحد من بني إسرائيل على قتل احد من اتباعه الأقباط، فذهب الجند يفتشون ويبحثون عن موسى عليه السلام في طرقات المدينة، وكان رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيمانه يقال له((حزقيل)) قد علم بأمر فرعون بالاتيان بموسى ليقتله فما كان منه إلا أن سبقهم إلى موسى عليه السلام من طريق اقرب وأخبره بالخبر وبمؤامرة فرعون وجنده وطلب منه ناصحًا مشفقًا عليه أن يخرج من مصر إلى أرض مدين ودعا ربه أن يهديه الطريق إليها وأن ينجيه من شر فرعون،
يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام:
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) {سورة القصص}
Abdel Mohsen- عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه
رد: موسى وهارون (1)
عفواا
Abdel Mohsen- عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه
مواضيع مماثلة
» موسى وهارون (2)
» موسى وهارون (3)
» موسى وهارون (4)
» موسى وهارون (5)
» التوتو سبورت : يوفنتوس يرغب بضم موسى ديمبيلي قبل ميلان
» موسى وهارون (3)
» موسى وهارون (4)
» موسى وهارون (5)
» التوتو سبورت : يوفنتوس يرغب بضم موسى ديمبيلي قبل ميلان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى