إرشادي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إسماعيل عليه السلام‎

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

إسماعيل عليه السلام‎ Empty إسماعيل عليه السلام‎

مُساهمة من طرف Abdel Mohsen الجمعة يناير 22, 2010 6:57 am

:: نص الموضوع :


‎ هو ابن إبراهيم‎ ‎البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها ‏وابنها في‎ ‎موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة ‏هاجر‎ ‎تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء ‏أمر‎ ‎الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر‎ ‎وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في‎ ‎منامه ‏أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله‎ ‎من ‏الصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل‎ ‎وكان ‏صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان‎ ‎يأمر أهله ‏بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته‎.‎


لم يذكر لنا الله عز وجل في كتابه الكريم سوى مشاهد -عظيمة- من حياة إسماعيل‏‎ ‎عليه ‏السلام. إنها مشاهد ثلاث تعد محنا لهذا النبي الكريم وأبوه الصابر إبراهيم‎ -‎عليها الصلاة ‏والسلام‎.

فبعد ولادة إسماعيل أمر الله سبحانه وتعالى خليله‎ ‎إبراهيم بأن يترك إسماعيل وأمه في واد ‏مقفر، لا زاد فيه ولا ماء. فاستجاب إبراهيم‎ ‎لأوامر ربه‎.

جاء في الإسرائيليات أن سارة زوجته الأولى أدركتها الغيرة من‎ ‎هاجر زوجته الثانية فاضطرته ‏اضطرارا لإبعادها وابنها. ونعتقد أن هذه القصة موضوعة‎.. ‎إن تأمل شخصية إبراهيم يقطع ‏بأنه لم يكن يتلقى أوامره من أحد غير الله‎.

أنزل‎ ‎زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء لا‎ ‎يكفي ‏يومين. ثم استدار وتركهما وسار‎.‎


أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي‎ ‎ليس فيه ‏شيء؟‎

لم يرد عليها سيدنا إبراهيم.. ظل يسير.. عادت تقول له ما قالته‎ ‎وهو صامت.. أخيرا فهمت ‏أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك‎ ‎وسألته: هل الله أمرك بهذا؟ قال ‏إبراهيم عليه السلام: نعم‎.

قالت زوجته‎ ‎المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا. وسار إبراهيم ‏حتى‎ ‎إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو‏‎ ‎الله‎:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي‎ ‎زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ‎

لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم‎ ‎تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في هذه ‏التصرفات الغامضة، فقد كان‎ ‎إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه في هذا المكان، كان هذا ‏الطفل هو الذي سيصير مسؤولا‎ ‎مع والده عن بناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي ‏أن يمتد العمران إلى هذا‎ ‎الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذي نتجه جميعا إليه أثناء الصلاة‎ ‎بوجوهنا‎.

ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحه‎ ‎في دعوة الله.. أرضعت ‏أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنة‎ ‎وتثير الإحساس ‏بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم.. وأحست هاجر‎ ‎وإسماعيل بالعطش.. ‏كان الطعام قد انتهى هو الآخر.. وبدا الموقف صعبا وحرجا‎ ‎للغاية‎.

بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. وتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت‎ ‎تمشي مسرعة ‏حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث بهما عن بئر أو‎ ‎إنسان أو ‏قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي‎ ‎راحت ‏تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه‎ ‎ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد‎ ‎عطشه.. ‏وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب‎ ‎وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود.. ولهذا يذهب‎ ‎الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم‎ ‎العظيم ‏إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار‎ ‎ابنها ‏الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش‎.

وفي هذه اللحظة اليائسة‎ ‎أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي ‏فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم‎.. ‎وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم ‏تغرف بيدها وهي تشكر‎ ‎الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ‏ظنها حين قالت: لن نضيع‎ ‎ما دام الله معنا‎.

وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي‎ ‎انفجر من بئر زمزم عديدا من ‏الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على‎ ‎المكان‎.

كانت هذه هي المحنة الاولى.. أما المحنة الثانية فهي‎ ‎الذبح‎.

كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه‎.. ‎وابتلى الله تعالى ‏إبراهيم بلاء مبينا بسبب هذا الحب. حكى الله تبارك وتعالى موقف‎ ‎ابتلاء إبراهيم في سورة ‏‏(الصافات).. قال عز وجل‎:

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ‎ ‎إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100‏‎) ‎فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ ‏حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ‏‎ ‎يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا ‏تَرَى‎ ‎قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ‎ ‎الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ ‏لِلْجَبِينِ (103) َنَادَيْنَاهُ‎ ‎أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي‎ ‎الْمُحْسِنِينَ (105) ‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ‎ ‎بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) ‏سَلَامٌ عَلَى‎ ‎إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا‎ ‎الْمُؤْمِنِينَ‎

انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار‎. ‎نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب ‏في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على‎ ‎كبر.. وقد طعن هو في السن ‏ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى‎ ‎في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ‏ووحيده الذي ليس له غيره‎.

أي نوع من الصراع‎ ‎نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء ‏مبينا هذا الموقف الذي‎ ‎يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته ‏عاطفة الأبوة الحانية‎. ‎فكر إبراهيم لماذا.. وجاءه الجواب أنه هكذا أراه الله.. ورؤيا الأنبياء حق.. ‏لقد‎ ‎رأى نفسه في المنام يذبح ولده الوحيد.. هذا وحي من الله أن يذبح ولده‎ ‎الوحيد‎.

لماذا..؟ أزاحها إبراهيم من تفكيره.. ليس إبراهيم هو الذي يسأل الله‎ ‎لماذا أو لأي سبب.. ‏فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض‎ ‎ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ‏ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا‎ ‎ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر ‏وذهب إلى ولده‎:

قَالَ يَا بُنَيَّ‎ ‎إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى‎

انظر‎ ‎إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في‎ ‎نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل بن‎ ‎إبراهيم ‏جواب إبراهيم. هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه‎:

يَا أَبَتِ افْعَلْ‏‎ ‎مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ‎

تأمل رد‎ ‎الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده ‏أنه‎ ‎سيجده.. إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ‎

هو الصبر على أي حال وعلى كل‎ ‎حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها ‏هو ذا إبراهيم يكتشف أن‎ ‎ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس ‏إبراهيم بعد استسلام ابنه‎ ‎الصابر.. لا نعرف‎.

ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض،‎ ‎وجهه في الأرض رحمة به كيلا ‏يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين‎.. ‎وإذا أمر الله مطاع‎.

فَلَمَّا أَسْلَمَا‎

استخدم القرآن هذا‎ ‎التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا ‏يتبقى‎ ‎منك شيء‎.

عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره‎.. ‎نادى الله إبراهيم.. ‏انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم، وصار اليوم عيدا‎ ‎لقوم لم يولدوا بعد.. هم ‏المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين‎.

عيدا‎ ‎يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل‎.


عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل‎ ‎واستأنسها ‏واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها‎.

استقرت‎ ‎بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم فلم يجده‎ ‎في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق‎ ‎والشدة‎.

قال لها إبراهيم: إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء‎ ‎إسماعيل، ووصفت له ‏زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي‎ ‎بأهلك‎.

وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها، فحدثته‎ ‎أنهم في نعمة وخير.. ‏وطاب صدر إبراهيم بهذه الزوجة لابنه‎.

وها نحن الآن أمام‎ ‎الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين ‏البشر من‎ ‎بعدهم إلى يوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين‎.. ‎مهمة بناء بيت الله تعالى في الأرض‎.

كبر إسماعيل.. وبلغ أشده.. وجاءه‎ ‎إبراهيم‎.

قال إبراهيم لإسماعيل: يا إسماعيل.. إن الله أمرني‎ ‎بأمر‎.

قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيم: وتعينني؟ قال‎: ‎وأعينك‎.

قال: فان الله أمرني أن ابني هنا بيتا. أشار بيده لصحن منخفض‎ ‎هناك‎.

صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام.. هو أول بيت وضع للناس في الأرض‎.. ‎وهو أول بيت عبد فيه ‏الإنسان ربه.. ولما كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض‎.. ‎فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. ‏قال العلماء: إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما‎ ‎يطوف الملائكة حول عرش الله تعالى‎.

بنى آدم خيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعي‎ ‎أن يبني آدم -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. ‏وحفت الرحمة بهذا المكان.. ثم مات آدم‎ ‎ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت ‏وخفي مكانه.. وها هو ذا إبراهيم يتلقى‎ ‎الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما ‏إلى يوم القيامة إن شاء‎ ‎الله‎.

وبدأ بناء الكعبة.. والكعبة مجموعة من الحجارة التي لا تضر ولا تنفع‎.. ‎ولا تزيد على غيرها من ‏الحجارة ولا تقل، لكنها رغم ذلك رمز للتوحيد الإسلامي،‎ ‎وتنزيه الله.. كان آدم على التوحيد ‏الرفيع والإسلام والتنزيه المطلق.. وكان إبراهيم‎ ‎حنيفا مسلما، وما كان من المشركين‎.

قال تعالى‎:

وَإِذْ يَرْفَعُ‎ ‎إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ‎ ‎مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) ‏رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا‎ ‎مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا‎ ‎مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ ‏الرَّحِيمُ (128‏‎) ‎رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ‎ ‎وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ‏وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ‎ ‎الحَكِيمُ‎

الكعبة حجرة جبارة من الحجارة.. تمتد في الأرض لعمق الأساس‎ ‎القديم الذي حفره إبراهيم ‏وإسماعيل.. هدمت في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها‎ ‎يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ ‏عهد إبراهيم إلى اليوم.. وحين بعث رسول الله، صلى‎ ‎الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة ‏إبراهيم.. وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد‎ ‎قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر ‏أساسها كما حفره إبراهيم‎.

نفهم من هذا إن‎ ‎إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته ‏على آلاف‎ ‎الرجال.. ولقد صرح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم، لولا ‏قرب عهد‎ ‎القوم بالجاهلية، وخشيته أن يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث ‏تصل‎ ‎إلى قواعد إبراهيم وإسماعيل‎.

أي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان‎ ‎عليهما حفر الأساس لعمق غائر في ‏الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة‎ ‎والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، ‏وبناؤها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل‎ ‎من الرجال، ولكنهما بنياها معا‎.


لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقت الذي استغرقه‎ ‎بناء ‏سفينة نوح، المهم أن سفينة نوح والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا‎.. ‎والكعبة هي ‏سفينة نوح الثابتة على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاة من‎ ‎هول الطوفان ‏دائما‎.

لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر‎ ‎وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من ‏كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها‎:

رَبَّنَا‎ ‎تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‎

ها هو ذا الرمز يسفر‎ ‎عن أقنعته الشفافة لنرى وجه الحقيقة الخالد وراءه.. الغرض الأصلي ‏هو الرجوع إلى‎ ‎الله.. أن يتقبل السميع العليم.. وتلك غاية إخلاص المخلصين.. وطاعة ‏الطائعين.. وخوف‎ ‎الخائفين‎.

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا‎ ‎أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ‎

إن أعظم مسلمين على وجه الأرض يومها يدعوان الله‎ ‎أن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن ‏القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن -سبحانه- ولا‏‎ ‎يأمن أحدهما مكر الله تعالى، وهما ‏يعبدان الله أصفى ما تكون العبادة، ويبنيان بيته‎ ‎المعمور، ويسألانه أن يتقبل عملهما.. ‏ويسألانه بعدها الإسلام وتبلغ الرحمة بهما أن‏‎ ‎يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له ‏سبحانه.. يريدان أن يزيد عدد العابدين‎ ‎الموجودين والطائفين والركع السجود‎.

إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن‎ ‎اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع ‏هذا يشغله أمر العقيدة.. ذلك إيحاء‎ ‎بأن البيت رمز العقيدة‏‎.

وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ‎ ‎أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‎

أرنا أسلوب العبادة الذي ترضاه.. أرنا كيف‎ ‎تحب أن نعبدك في الأرض.. وتب علينا.. إنك أنت ‏التواب الرحيم‎.

بعدها يتجاوز‎ ‎اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه بالحدس ويدعوان‎ ‎الله‎:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ‎ ‎آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ‎ ‎العَزِيزُ الحَكِيمُ‎

تحققت هذه الدعوة الأخيرة.. حين بعث محمد بن عبد الله،‎ ‎صلى الله عليه وسلم.. تحققت ‏بعد أزمنة وأزمنة‎.

انتهى بناء البيت، وأراد‎ ‎إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول ‏الكعبة.. أمر إبراهيم‎ ‎إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة‎.

سار إسماعيل ملبيا‎ ‎أمر والده.. حين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. من ‏الذي أحضره‎ ‎إليك يا أبت؟ قال إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام‎.

انتهى بناء الكعبة‎.. ‎وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف إبراهيم يدعو ربه نفس ‏دعائه من قبل.. أن‎ ‎يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان.. قال تعالى‎:

فَاجْعَلْ‎ ‎أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‎

أنظر إلى التعبير.. إن الهوى‎ ‎يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة‎.

من هذه الدعوة ولد‎ ‎الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام‎.

وصار كل من‎ ‎يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ‏ويعمق‎ ‎حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض ‏أظافره‎ ‎في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم‎.

قال تعالى حين جادل‎ ‎المجادلون في إبراهيم وإسماعيل‎.

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ‎ ‎نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‎

عليه الصلاة والسلام.. استجاب الله دعاءه.. وكان إبراهيم أول من سمانا‎ ‎المسلمين‎.

قال تعالى في سورة (الحج‎):

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي‎ ‎الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ‏‎ ‎الْمُسْلِمينَ‎
Abdel Mohsen
Abdel Mohsen

عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إسماعيل عليه السلام‎ Empty رد: إسماعيل عليه السلام‎

مُساهمة من طرف ŽỲỖǾỖĐ الأحد مارس 07, 2010 6:15 am

مشكورر يا قلبوو Embarassed
ŽỲỖǾỖĐ
ŽỲỖǾỖĐ

عدد المساهمات : 500
نقاط : 699
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إسماعيل عليه السلام‎ Empty رد: إسماعيل عليه السلام‎

مُساهمة من طرف Abdel Mohsen الإثنين مارس 08, 2010 9:41 am

العفوو
Abdel Mohsen
Abdel Mohsen

عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى