لوط عليه السلام
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
لوط عليه السلام
:: نص الموضوع :
أرسله الله ليهدي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباء وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أن يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوط دعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
دعى لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش.
واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضة ورفض متكبر. وكان القوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء. قال تعالى في سورة (النمل):
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
لكن هذه القلوب القاسية جازت هذه النصيحة الصادقة بالحكم على لوط وآله بالطرد من قريتهم.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
إن المقاييس عند قوم لوط اختلت.. فصار الرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر جريمة تستوجب الطرد.. كانوا مرضى يرفضون الشفاء ويقاومونه.. ولقد كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلب لوط.. كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد.. وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لنا الرجال.. واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته.. حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا.
كانت زوجته كافرة مثل زوجة نوح
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ
وإذا كان بيت الإنسان هو راحته التي يسكن إليها، فقد كان لوط معذبا خارج بيته وداخله.. كانت حياته عذابا متصلا، وعنتا شديدا، وكان صابرا على قومه .
واستطالت السنوات ولم يؤمن به أحد، بل راحوا يهزءون برسالته ويقولون له فيما يقولون:
ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
لما وقع هذا يئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين.
خرج الملائكة من عند إبراهيم قاصدين قرية لوط.. وصلوا ساعة العصر. بلغوا أسوار سدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم.. أدهشها أن يكون في الأرض رجال بهذا الجمال الساحر.. سألها أحد الثلاثة: يا جارية.. هل من منزل؟
قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. تركت وعاءها عند النهر وطارت مسرعة نحو أبيها.. أبتاه.. ما رأيت مثل وجوههم قط.
قال لوط لنفسه: (هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ).. وهرع يجري نحو ضيوفه.
لم يكد يراهم حتى:
سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
سألهم: من أين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد.
قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه، وعاد يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية -حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية.
كانوا ضيوفا في منتهى الغرابة.. ساروا صامتين معظم الوقت.. فلما رأى إصرارهم على المبيت في المدينة، سألهم أن يمكثوا بهذا البستان حتى يأتي المغرب وتنزل العتمة على المدينة.. قال لنفسه: آخذهم إلى البيت بعد أن يسقط الظلام فلا يراهم أحد من أهل القرية.. وأسلمهم خارج المدينة في الفجر.. كان حزينا.. ضيق الصدر.
سقط الليل على المدينة.. صحب لوط ضيوفه الثلاثة إلى بيته.. لم يرهم من أهل المدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثل شرارة من الكهرباء.. وهرع قومه إليه.. قال تعالى في سورة (هود):
وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
ها قد تحققت نبوءة لوط.. بدأ اليوم العصيب.. (وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ).. جاءوا محمومين مسرعين.. تساءل لوط بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟.. وتلفت باحثا عن زوجته فلم يرها.. وزاد حزنا على حزن.. وقف القوم على باب البيت.. خرج إليهم لوط متعلقا بأمل أخير.. وبدا في موقعطته القصيرة:
قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
(هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).. ما الذي تعنيه هذه العبارة؟ أراد أن يقول لهم: أمامكم النساء في الأرض.. هن أطهر بمعاني الطهر النفسي والحسي.. هن يلبين الفطرة السوية.. ويثرن مشاعر كذلك نظيفة.. ثم هن أطهر حسيا، حيث أعدت القدرة الخالقة للحياة الناشئة مكمنا طاهرا.
(فَاتَّقُواْ اللّهَ).. يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.
(وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).. هي محاولة يائسة للمس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.
(أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ).. أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.. والعقل أولى بكم وأفضل.. إن الأمر أمر رشد وسفه.. إلى جوار أنها قضية فطرة ودين ومروءة ونخوة.
انتظر قومه حتى فرغ من موعظته القصيرة وضجوا بالضحك.. لم تلمس كلماته الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها المحموم.
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
سقط في يد لوط.. أحس ضعفه وهو غريب بين القوم.. نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته.. وضع المزلاج في الباب ووقف يستمع إلى الضحكات والضربات التي تنهال على الباب. وقف لوط يرتعد وراء الباب خجلا وحزنا وأسفا.. كان الغرباء الثلاثة الذين استضافهم لوط يجلسون هادئين صامتين.. يحف بهم جو من الجلال.. ودهش لوط بينه وبين نفسه من هدوئهم.. وزاد إحساسه بالألم لأنهم وثقوا به واطمأنوا إليه.. لا يعرفون أنه غير قادر على حمايتهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوط في لحظة يأس خانق:
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ
تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد".
عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته فطارت مثل عصفور يائس.. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة.. أفهموه أنه يأوي إلى ركن شديد:
قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ
لا تجزع يا لوط ولا تخف.. نحن من الملائكة.. ولن يصل إليك هؤلاء القوم.. انكسر الباب فجأة، واندفع الإعصار المحموم داخل بين لوط.. نهض جبريل، عليه السلام، وأشار بيده إشارة سريعة، ففقد القوم أبصارهم.. وراحوا يتخبطون داخل الجدران فخرجوا من البيت وهم يظنون أنهم يدخلونه.. طمست إشارة جبريل عليه السلام أبصارهم.. قال تعالى:
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ
أرسله الله ليهدي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباء وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أن يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوط دعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
دعى لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش.
واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضة ورفض متكبر. وكان القوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء. قال تعالى في سورة (النمل):
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
لكن هذه القلوب القاسية جازت هذه النصيحة الصادقة بالحكم على لوط وآله بالطرد من قريتهم.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
إن المقاييس عند قوم لوط اختلت.. فصار الرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر جريمة تستوجب الطرد.. كانوا مرضى يرفضون الشفاء ويقاومونه.. ولقد كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلب لوط.. كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد.. وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لنا الرجال.. واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته.. حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا.
كانت زوجته كافرة مثل زوجة نوح
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ
وإذا كان بيت الإنسان هو راحته التي يسكن إليها، فقد كان لوط معذبا خارج بيته وداخله.. كانت حياته عذابا متصلا، وعنتا شديدا، وكان صابرا على قومه .
واستطالت السنوات ولم يؤمن به أحد، بل راحوا يهزءون برسالته ويقولون له فيما يقولون:
ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
لما وقع هذا يئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين.
خرج الملائكة من عند إبراهيم قاصدين قرية لوط.. وصلوا ساعة العصر. بلغوا أسوار سدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم.. أدهشها أن يكون في الأرض رجال بهذا الجمال الساحر.. سألها أحد الثلاثة: يا جارية.. هل من منزل؟
قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. تركت وعاءها عند النهر وطارت مسرعة نحو أبيها.. أبتاه.. ما رأيت مثل وجوههم قط.
قال لوط لنفسه: (هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ).. وهرع يجري نحو ضيوفه.
لم يكد يراهم حتى:
سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
سألهم: من أين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد.
قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه، وعاد يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية -حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية.
كانوا ضيوفا في منتهى الغرابة.. ساروا صامتين معظم الوقت.. فلما رأى إصرارهم على المبيت في المدينة، سألهم أن يمكثوا بهذا البستان حتى يأتي المغرب وتنزل العتمة على المدينة.. قال لنفسه: آخذهم إلى البيت بعد أن يسقط الظلام فلا يراهم أحد من أهل القرية.. وأسلمهم خارج المدينة في الفجر.. كان حزينا.. ضيق الصدر.
سقط الليل على المدينة.. صحب لوط ضيوفه الثلاثة إلى بيته.. لم يرهم من أهل المدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثل شرارة من الكهرباء.. وهرع قومه إليه.. قال تعالى في سورة (هود):
وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
ها قد تحققت نبوءة لوط.. بدأ اليوم العصيب.. (وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ).. جاءوا محمومين مسرعين.. تساءل لوط بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟.. وتلفت باحثا عن زوجته فلم يرها.. وزاد حزنا على حزن.. وقف القوم على باب البيت.. خرج إليهم لوط متعلقا بأمل أخير.. وبدا في موقعطته القصيرة:
قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
(هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).. ما الذي تعنيه هذه العبارة؟ أراد أن يقول لهم: أمامكم النساء في الأرض.. هن أطهر بمعاني الطهر النفسي والحسي.. هن يلبين الفطرة السوية.. ويثرن مشاعر كذلك نظيفة.. ثم هن أطهر حسيا، حيث أعدت القدرة الخالقة للحياة الناشئة مكمنا طاهرا.
(فَاتَّقُواْ اللّهَ).. يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.
(وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).. هي محاولة يائسة للمس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.
(أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ).. أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.. والعقل أولى بكم وأفضل.. إن الأمر أمر رشد وسفه.. إلى جوار أنها قضية فطرة ودين ومروءة ونخوة.
انتظر قومه حتى فرغ من موعظته القصيرة وضجوا بالضحك.. لم تلمس كلماته الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها المحموم.
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
سقط في يد لوط.. أحس ضعفه وهو غريب بين القوم.. نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته.. وضع المزلاج في الباب ووقف يستمع إلى الضحكات والضربات التي تنهال على الباب. وقف لوط يرتعد وراء الباب خجلا وحزنا وأسفا.. كان الغرباء الثلاثة الذين استضافهم لوط يجلسون هادئين صامتين.. يحف بهم جو من الجلال.. ودهش لوط بينه وبين نفسه من هدوئهم.. وزاد إحساسه بالألم لأنهم وثقوا به واطمأنوا إليه.. لا يعرفون أنه غير قادر على حمايتهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوط في لحظة يأس خانق:
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ
تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد".
عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته فطارت مثل عصفور يائس.. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة.. أفهموه أنه يأوي إلى ركن شديد:
قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ
لا تجزع يا لوط ولا تخف.. نحن من الملائكة.. ولن يصل إليك هؤلاء القوم.. انكسر الباب فجأة، واندفع الإعصار المحموم داخل بين لوط.. نهض جبريل، عليه السلام، وأشار بيده إشارة سريعة، ففقد القوم أبصارهم.. وراحوا يتخبطون داخل الجدران فخرجوا من البيت وهم يظنون أنهم يدخلونه.. طمست إشارة جبريل عليه السلام أبصارهم.. قال تعالى:
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ
Abdel Mohsen- عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه
رد: لوط عليه السلام
مشكوووور
ŽỲỖǾỖĐ- عدد المساهمات : 500
نقاط : 699
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/12/2009
رد: لوط عليه السلام
العفووو
Abdel Mohsen- عدد المساهمات : 500
نقاط : 635
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : في حي الروضه
مواضيع مماثلة
» قصة نوح عليه السلام
» قصة هود عليه السلام
» ذو الكفل عليه السلام
» داود عليه السلام
» سليمان عليه السلام
» قصة هود عليه السلام
» ذو الكفل عليه السلام
» داود عليه السلام
» سليمان عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى